الأحد، 14 يونيو 2020

هذه مقالة متشائمة ، بعث بها إليّ صديق متأدب ، هو يوسف من النوفلية ، قد قرأ لي شيئاً من قبل ، وطلب إصلاح نحوها ونشرها . وقد بذلت جهداً في تصليح نحوها ، والتخفيف من مبالغتها في موضوعها ، ولكنها ما تزال سوداء الأفق ، فأتركها لكم .
وحفاظاً على فكرتها لم أغير فيها . علماً بأنني أعترض على ما ورد فيها . كتب يقول :

عجوز بين عهدين
عدد من أبيات الشعر الشعبي ، عثرت عليها ، أثارت شجوني ، وملكت مشاعري ـــ لأنها تعبر عن سلوكي شخصياً قبل غيري ـــ فظللت ( أتهجى ) بها أناء الليل ، وأطراف النهار ، حتى أنكرت نفسي ، وعجبت أسرتي . واقترح عليّ التعبير عنها بعض معارفي .
في الأبيات يبكي الشاعر حياته القديمة ، من طيب الطعام ، وسماحة الأيام ، وارتداء الجديد ، ولذة اقتناء المئات من الغنم والإبل ، يسرحها رعاتها العبيد المشترون ، ويسلي نفسه بذكرى فروسيته ، ويضفي على حصانه صفات رائعة ، بكنايات معبرة .
والغريب أن كثيرين منا يعشقون تلك الذكريات ، ويحنون إلى العيش فيها ، وإن كانت قاحلة جافة ، بالقياس إلى رفاهة عيشنا ، وغضارة نعمتنا اليوم . فما السبب ؟؟ .
ثم يطوي صفحة ماضيه المشرق ، ليعبر إلى حاضره المظلم ، فيكشف عن عقوق الدهر ، وتنكر الأيام ، حيث تجف السعادة ، وتنطفئ الأنوار ، ويتعكر المسار ، وينصب عقاب الزمان ، فيستفحل الإهمال والنسيان ، وتهبط على حياته ظلمة كاسحة ، تحجزه في ركن النسيان ، فلم يعد يستدعى ليتلذذ بحضور المواعيد ، ويتمتع بحل الإشكالات ، وإصلاح ما أفسد الدهر ، وأسوأ من ذلك ، أن تنقلب الموازين ، فتعدو الرذائل على الفضائل ، فتذل الفضائل أمام سطوة أخواتها الرذائل ، حتى لتضج وتطلب العون ، وربما لا من مجيب :

ريت الكلب في السباع اينيب ### صايل عليهن طالبات انجاد

وكفى بذلك عقوقاً وهواناً .
ثم يبلغ القمة في التعبير عن الانحدار والهوان ، حين يتحدث عن نفسه فيقول :

جفونا أصحاب اقريبين اقريب ### بعد قرب واجد قابيين ابعاد

وكلها صرخات كنائية ، تعبرأدق تعبيرعن نكد الدهر ، وقسوة الزمان ، وتغير الأحوال ، وتبدل الناس والطباع .
والأبيات وإن وردت في أسلوب شعر شعبي ، إلا أنها تدمغ الحقيقة ، وتوثق الواقع ، وتجسد الحياة اليوم ، وهذا شعور كثيرين عندنا في هذه الحقبة ، من تاريخنا . فنحن تسود حياتنا أنانية مفرطة ، أدت إلى تقطع في صلات الأرحام ، وجفاف للمودة من القلوب ، وتباغظ شيطاني على غير سبب ، انتهت أخيراً إلى أن كل نفس منا ، أوشكت أن تدخل جحرها ، وتغلق بابها ، وتصم أذنيها ، وتقفل نوافذ الاتصال بغيرها ... ومن الغفلة أن ينسب أحد ذلك التقطع في العرى ، والتفكك في المجتمع ، إلى آفة الكرونة ، فإن حظر الكرونة وليد جديد ، وإذا كان الشعراء القدماء ، يعبرون عن نكد الدهر ، بتغيرمعالم الطبيعة ، فإن شاعرنا عمد مباشرة ، إلى انتكاس الأخلاق وانقلاب العادات ، وما تعارف الناس عليه ، فقال :

يا ما كلينا من لذيذ وطيب ### وياما ألبسنا من جديد وباد
ويا ما اركبنا بو مسار ايخيب ### يدير عليهن وين صار اعناد
عشنا عقاب الدهر حال ايشيب ### ما اتقول كنا رسوة الميعاد
او لا اتقول مددنا شوي واركيب ### ورعيان شريوا من عبيد اتشاد
ريت الكلب في السباع اينيب ### صايل عليهن طالبات انجاد
جفونا اصحاب اقريبين اقريب ### بعد قرب واجد قابييــن ابعاد

فهل يحس القراء بشيئ ، مما يعبرعنه الشاعر الشعبي والكاتب المتشائم ؟ . كم نود منهم الإفصاح عما في نفوسهم إزاء ذلك ؟؟ . وحبذا لو يتجاوزون مجرد التأسف .

ادريس فضيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هذه مقالة متشائمة ، بعث بها إليّ صديق متأدب ، هو يوسف من النوفلية ، قد قرأ لي شيئاً من قبل ، وطلب إصلاح نحوها ونشرها . وقد بذلت جهداً ف...